فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{قُلِ اللهم فَاطِرَ السموات والأرض عالم الغيب والشهادة} أي التجىءْ إليه تعالى بالدُّعاءِ لما تحيَّرتَ في أمر الدَّعوةِ وضجرت من شدَّةِ شكيمتهم في المُكابرة والعناد فإنَّه القادرُ على الأشياء بجُملتها والعالمُ بالأحوال بُرمَّتِها.
{أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي حُكمًا يُسلِّمه كلُّ مكابرٍ معاند، ويخضعُ له كلُّ عاتٍ مارد وهو العذابُ الدنيويُّ أو الأخرويُّ. وقولُه تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا في الأرض جَمِيعًا} الخ كلامٌ مستأنف مسوقٌ لبيان آثارِ الحُكمِ الذي استدعاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وغايةِ شدَّتِه وفظاعتِه أي لو أنَّ لهم جميعَ ما في الدُّنيا من الأموال والذَّخائرِ.
{وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء العذاب يَوْمَ القيامة} أي لجعلُوا كلَّ ذلك فديةً لأنفسهم من العذاب الشَّديدِ وهيهاتَ ولاتَ حينَ مناصٍ. وهذا كما ترى وعيدٌ شديدٌ وإقناطٌ كليٌّ لهم من الخلاصِ.
{وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} أي ظهرَ لهم من فُنون العقوباتِ ما لم يكن في حسابهم. وهذه غاية من الوعيد لا غاية وراءها ونظيره في الوعد قولُه تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} {وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} سيئات أعمالِهم أو كسبِهم حين تُعرض عليهم صحائفهم {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي أحاطَ بهم جزاؤُه {فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا} إخبارٌ عن الجنسِ بما يفعله غالبُ أفرادِه. والفاءُ لترتيب ما بعدها من المناقضةِ. والتَّعكيسُ على ما مرَّ من حالتيهم القبيحتينِ وما بينهما اعتراضٌ مؤكِّدٌ للإنكار عليهم أي أنَّهم يشمئزُّون عن ذكرِ الله تعالى وحدَهْ ويستبشرون بذكرِ الآلهةِ فإذا مسَّهم ضُرٌّ دَعَوا مَن اشمأزُّوا عن ذكره دون مَن استبشرُوا بذكرِه {ثُمَّ إِذَا خولناه نِعْمَةً مّنَّا} أعطيناهُ إيَّاها تفضُّلًا، فإنَّ التَّخويل مختصٌ به لا يُطلق على ما أُعطي جزاءً {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} أي على علم منِّي بوجوهِ كسبِه أو بأنِّي سأعطاه لَما لِي من الاستحقاقِ أو على علمٍ من الله تعالى بي وباستحقاقي. والهاءُ لما، أنْ جُعلتْ موصولةً، وإلاَّ فلِنعمةً والتَّذكيرُ لما أنَّ المرادَ شيء من النعمةِ {بَلْ هي فِتْنَةٌ} أي محنةٌ وابتلاءٌ له أيشكرُ أم يكفرُ وهو ردٌّ لما قاله. وتغييرُ السَّبكِ للمبالغة فيهِ والإيذانِ بأنَّ ذلك ليس من بابِ الإيتاءِ المُنبىء عن الكرامةِ وإنَّما هو أمرٌ مباين بالكُلِّيةِ. وتأنيثُ الضَّميرِ باعتبار لفظ النِّعمةِ أو باعتبار الخبرِ وقُرئ بالتَّذكيرِ.
{ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنَّ الأمرَ كذلك وفيه دلالةٌ على أنَّ المراد بالإنسانِ هو الجنسُ.
{قَدْ قَالَهَا الذين مِن قَبْلِهِمْ} الهاء لقوله إنَّما أُوتيته على علمٍ لأنَّها كلمةٌ أو جملةٌ وقُرئ بالتَّذكيرِ. والموصول عبارةٌ عن قارونَ وقومِه حيثُ قال إنَّما أُوتيته على علمٍ عندي وهم راضُون به.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من متاعِ الدُّنيا ويجمعون منه.
{فأصابهم سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} جزاءُ سيِّئاتِ أعمالِهم أو أجزيةُ ما كسبُوا. وتسميتها سيِّئاتٍ لأنَّها في مقابلة سيِّئاتِهم وجزاءُ سيِّئةٍ سيِّئةٌ مثلُها {والذين ظَلَمُواْ مِنْ هَؤُلاَء} المشركين ومِن للبيان أو للتَّبعيضِ أي أفرطوا في الظُّلم والعُتوِّ.
{سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} من الكُفر والمَعاصي كما أصاب أولئك. والسِّينُ للتَّأكيدِ. وقد أصابهم أيَّ إصابةٍ حيثُ قحطوا سبعَ سنين وقُتل صناديدُهم يومَ بدرٍ {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي فائتين.
{أَوَ لَمْ يَعْلَمُواْ} أي أقالُوا ذلك ولم يعلمُوا أو أَغفلُوا ولم يعلمُوا {أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء} أنْ يبسطَه له {وَيَقْدِرُ} لمن يشاء أن يقدرَه له من غيرِ أن يكون لأحدٍ مدخلٌ ما في ذلك حيثُ حبسَ عنهم الرِّزقَ سبعًا ثم بسطَه لهم سبعًا {إِنَّ في ذَلِكَ} الذي ذُكر {لاَيَاتٍ} دالَّةً على أنَّ الحوادثَ كافَّةً من الله عزَّ وجلَّ.
{لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} إذ هم المستدلُّون بها على مدلولاتِها. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

ثم قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله} أي: فلا أحد أظلم ممن كذب على الله بأن معه شريكًا، {وَكَذَّبَ بالصدق إِذْ جَاءهُ} يعني: بالقرآن، وبالتوحيد.
ويقال: {وَكَذَّبَ بالصدق} يعني: بالصادق وهو النبي صلى الله عليه وسلم {أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} يعني: مأوى للذين يكفرون بالقرآن.
فاللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التحقيق كقوله: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} [التين: 8].
{والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} أي: بالقرآن {وَصَدَّقَ بِهِ} أي: أصحابه.
ويقال: {وَصَدَّقَ بِهِ} المؤمنون.
وقال القتبي: {والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} هو في موضع جماعة.
ومعناه: والذين جاؤوا بالصدق، وصدقوا به، وهذا موافق لخبر ابن مسعود.
وقال قتادة، والشعبي، ومقاتل، والكلبي: {والذى جَاء بالصدق} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم {وَصَدَّقَ بِهِ} يعني: المؤمنون.
وذكر عن علي بن أبي طالب أنه قال: {والذى جَاء بالصدق} يعني: النبي صلى الله عليه وسلم {وَصَدَّقَ بِهِ} يعني: أبو بكر {أُوْلَئِكَ هُمُ المتقون} الذين اتقوا الشرك، والفواحش.
وقرأ بعضهم: {وَصَدَقَ} بالتخفيف.
يعني: النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الناس كما أنزل عليه، ولم يزد في الوحي شيئًا، ولم ينقص من الوحي شيئًا.
{لَهُمْ مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبّهِمْ} يعني: لهم ما يريدون، ويحبون في الجنة، {ذَلِكَ جَزَاء المحسنين} أي: ثواب الموحدين، المطيعين، المخلصين {لِيُكَفّرَ الله عَنْهُمْ} يعني: ليمحو عنهم، ويغفر لهم، {أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ} يعني: أقبح ما عملوا، مخالفًا للتوحيد، {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} أي: ثوابهم {بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني يجزيهم بالمحاسن، ولا يجزيهم بالمساوىء، لأنه ليس لهم ذنب، ولا خطايا، فلا يجزيهم بمساوئهم.
{أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} قرأ حمزة، والكسائي: {عِبَادَهُ} بالألف بلفظ الجماعة.
يعني: الذين صدقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن، والباقون عَبْدَه بغير أَلف.
يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} يعني: بالذين يعبدون من دونه، وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال تقع في آلهتنا، فاتقِ كيلا يصيبك منها معرة، أو سوء.
فنزل: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} الآية.
وروى معمر عن قتادة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها، فمشى إليها بالفأس.
فقالت له: قيمتها يا خالد احذر، فإن لها شدة، لا يقوم لها أحد، فمشى إليها خالد، فهشم أنفها بالفأس.
ويقال: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} يعني: الأنبياء.
ثم قال: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يعني: من يخذله الله عن الهدى، فما له من مرشد، ولا ناصر {وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ} أي: ليس له أحد يخذله {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِى انتقام} يعني: عزيزًا في ملكه، ذي انتقام من عدوه.
قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} فعل ذلك، {قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} يعني: ما تعبدون من دون الله من الآلهة، {إِنْ أَرَادَنِىَ الله بِضُرّ} يعني: إنْ أصابني الله ببلاء، ومرض في جسدي، وضيق في معيشتي، أو عذاب في الآخرة، {هَلْ هُنَّ كاشفات ضُرّهِ} يعني: هل تقدر الأصنام على دفع ذلك عني، {أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ} أي: بنعمة، وعافية، وخير، {هَلْ هُنَّ ممسكات رَحْمَتِهِ} يعني: هل تقدر الأصنام على دفع تلك الرحمة عني.
قرأ أبو عمر: {كَاشِفَاتٌ} بالتنوين، {ضُرَّهُ} بالنصب، {مُمْسِكَاتٌ} بالتنوين، {رَحْمَتَهُ} بالنصب، والباقون: بغير تنوين، وكسر ما بعده على وجه الإضافة.
فمن قرأ بالتنوين: نصب {ضره} و{رحمته} ، لأنه مفعول به {قُلْ حَسْبِىَ الله} يعني: يكفيني الله من شر آلهتكم.
ويقال: {حَسْبِىَ الله} يعني: أثق به {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} أي: فوضت أمري إلى الله، {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} أي: يثق به الواثقون.
فأنا متوكل، وعليه توكلت.
{قُلْ يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} أي: في منازلكم.
ويقال: {على مَكَانَتِكُمْ} أي: على قدر طاقتكم، وجهدكم، {إِنّى عامل} في إهلاككم.
لأنهم قالوا له: إن لم تسكت عن آلهتنا، نعمل في إهلاكك.
فنزل: {قُلْ يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} إهلاكي في مكانتكم {إِنّى عامل} في إهلاككم {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} من نجا، ومن هلك.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {مكاناتكم} بلفظ الجماعة.
والباقون: {مَكَانَتِكُمْ} والمكانة، والمكان واحد.
{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أي: من يأتيه عذاب الله، يهلكه، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} أي: دائم لا ينقطع أبدًا.
{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ بالحق} يعني: أنزلنا عليك جبريل بالقرآن للناس بالحق.
يعني: لتدعو الناس إلى الحق، وهو التوحيد {فَمَنُ اهتدى} أي: وحّد، وصدق بالقرآن، وعمل بما فيه فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أي: ثواب الهدى لنفسه، {وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} يعني: أعرض ولم يؤمن بالقرآن، فقد أوجب العقوبة على نفسه.
{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} يعني: ما أنت يا محمد عليهم بحفيظ.
ويقال: بمسلط.
وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.
{الله يَتَوَفَّى الانفس حِينَ مِوْتِهَا} قال الكلبي: الله يقبض الأنفس عند موتها {والتى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا} فيقبض نفسها إذا نامت أيضًا، {فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت} فلا يردها، {وَيُرْسِلُ الاخرى} التي لم تبلغ أجلها، {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: يردها إلى أجلها.
وقال مقاتل: {الله يَتَوَفَّى الانفس} عند أجلها، والتي قضى عليها الموت، فيمسكها عن الجسد.
على وجه التقديم {والتى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا} فتلك الأخرى التي أرسلها إلى الجسد، إلى أجل مسمى.
وقال سعيد بن جبير: الله يقبض أنفس الأحياء، والأموات.
فيمسك أنفس الأموات، ويرسل أنفس الأحياء إلى أجل مسمى.
{إِنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي: يعتبرون.
قرأ حمزة والكسائي: {قُضِيَ عليها} بضم القاف، وكسر الضاد، وفتح الياء، وبضم التاء في الموت، على فعل ما لم يسم فاعله.
والباقون: {قضى عَلَيْهَا} بالنصب.
يعني: قضى الله عليها الموت، ونصب الموت لأنه مفعول به.
{أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله} الميم صلة.
معناه: اتخذوا.
فاللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التوبيخ والزجر.
فقال: {أَمِ اتخذوا مِن دُونِ الله} {شُفَعَاء} يعني: يعبدون الأصنام، لكي تشفع لهم.
{قُلْ أُولَّوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلاَ يَعْقِلُونَ} يعني: يعبدونهم، وإن كانوا لا يعقلون شيئًا.
{قُل لِلَّهِ الشفاعة جَمِيعًا} أي: قل يا محمد: لله الأمر والإذن في الشفاعة، وهذا كقوله: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحى القيوم لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السموات والأرض وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العلى العظيم} [البقرة: 255] وكما قال: {يتخافتون بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا} [طه: 103].
ثم قال: {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} يعني: خزائن السموات والأرض.
ويقال: نفاذ الأمر في السموات والأرض.
وله نفاذ الأمر في السموات والأرض.
{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الآخرة {وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت} يعني: إذا قيل لهم: قولوا لا إله إلا الله، اشمأزت.
قال مقاتل: يعني انقبضت عن التوحيد.
وقال الكلبي: أعرضت، ونفرت.
وقال القتبي: العرب تقول: اشمأز قلبي من فلان.
أي: نفر منه.
{قُلُوبُ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} يعني: لا يصدقون بيوم القيامة.
{وَإِذَا ذُكِرَ الذين مِن دُونِهِ} يعني: الآلهة {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بذكرها.
وذلك أنه حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم، وذكر آلهتهم استبشروا.
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلِ اللهم فَاطِرَ السموات والأرض} صار نصبًا بالنداء.
يعني: يا خالق السموات والأرض، {عالم الغيب والشهادة} يعني: عالمًا بما غاب عن العباد، وما لم يغب عنهم.
ويقال: عالمًا بما مضى، وما لم يمض، وما هو كائن.
ويقال: عالم السر والعلانية.
{أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ} يعني: أنت تقضي في الآخرة بين عبادك، {فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين.
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: كفروا {مَّا في الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ} أي: مثل ما في الأرض، {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} أي: لفادوا به أنفسهم {مِن سُوء العذاب} أي: من شدة العذاب {يَوْمُ القيامة}.
وفي الآية مضمر.
أي: لا يقبل منهم ذلك.
{وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله} أي: ظهر لهم حين بعثوا من قبورهم، {مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} في الدنيا أنه نازل بهم.
يعني: يعملون أعمالًا يظنون أن لهم فيها ثوابًا، فلم تنفعهم مع شركهم، فظهرت لهم العقوبة مكان الثواب، {وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي: عقوبات ما عملوا، {وَحَاقَ بِهِم} أي: نزل بهم عقوبة، {مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} يعني: باستهزائهم بالمسلمين.
ويقال: باستهزائهم بالرسول، والكتاب، والعذاب.
{فَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ دَعَانَا} يعني: أصاب الكافر شدة، وبلاء، وهو أبو جهل.
ويقال: جميع الكفار دعانا أي: أخلص في الدعاء {ثُمَّ إِذَا خولناه} أي: بدلنا، وأعطيناه مكانها عافية، {نِعْمَةً مّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ بَلْ هي فِتْنَةٌ} أي: على علم عندي.
يعني: أعطاني ذلك، لأنه علم أني أهل لذلك.
ويقال: معناه على علم عندي بالدواء.
{بَلْ هي فِتْنَةٌ} أي: بلية، وعطية، يبتلى بها العبد ليشكر، أو ليكفر، {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن إعطائي ذلك بلية، وفتنة، {قَدْ قَالَهَا الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: قال تلك الكلمة: الذين من قبل كفار مكة، مثل قارون، وأشباهه.
{فَمَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعني: لم ينفعهم ما كانوا يجمعون من الأموال، {فأصابهم سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي عقوبات ما عملوا.
قوله: {والذين ظَلَمُواْ مِنْ هَؤُلاَء} يعني: من أهل مكة {سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} يعني: عقوبات ما عملوا، مثل ما أصاب الذين من قبلهم، {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي: غير فائتين من عذاب الله، {أَوَ لَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء} أي: يوسع الرزق لمن يشاء، {وَيَقْدِرُ} أي: يقتر على من يشاء، {إِنَّ في ذَلِكَ} يعني: في القبض والبسط {لآيَاتٍ} أي: لعلامات لوحدانيتي {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: يصدقون بتوحيد الله. اهـ.